تخيل أنك تقف في غرفة مظلمة تحمل شمعةً مُشعلة. عندما تلامس شعلة هذه الشمعة شمعةً أخرى غير مُضاءة، ينحسر الظلام أكثر، بينما تستمر الشعلة الأصلية في الاشتعال. هذا المشهد يجسّد مثلًا إيطاليًا قديمًا: “الشمعة لا تفقد شيئًا عندما تُضيء شمعةً أخرى”. تُفسّر هذه الاستعارة واحدةً من الابتكارات التحويلية في ويكيبيديا — أداة ترجمة المحتوى. فكما تنشر الشموع الضوء، ساعدت هذه الأداة في “إشعال” أكثر من 2.4 مليون مقالة مترجمة عبر مختلف اللغات داخل ويكيبيديا.

قبل إطلاق أداة “ترجمة المحتوى”، كانت هناك فجوة معرفية كبيرة في نسخ ويكيبيديا باللغات الأقل تمثيلًا. فبينما كانت النسخة الإنجليزية وغيرها من اللغات الرئيسية تزخر بملايين المقالات الموثوقة ذات المصادر الجيدة، كانت نسخ اللغات المهمشة تواجه واقعًا صعبًا إذ كان محتواها محدودًا جدًا من حيث المصادر الموثوقة. كما كشفت دراسة سكوت هيلز حول أنماط تحرير المحررين متعددي اللغات في ويكيبيديا أن المساهمين الناطقين باللغات الأقل انتشارًا (مثل الهوسا والإيغبو في غرب إفريقيا) غالبًا ما يُحررون محتوى مشابهًا في كلا النسختين اللغويتين. على سبيل المثال، كانت هذه اللغات تعاني من محتوى متواضع، فترجم هؤلاء المساهمون محتوى من النسخة الإنجليزية أو من اللغات الكبرى الأخرى لسد الفجوة.
نتيجةً لذلك، نظراً لكون المساهمين في هذه اللغات أحاديي اللغة فقد كان الوصول إلى المعرفة الإنسانية الجماعية مقيّداً. ولكن مع توفير أدوات ترجمة سهلة وفعّالة، أصبح بمقدور المزيد من المحررين متعددي اللغات المساهمة في تعزيز القاعدة المعرفية وقاعدة المساهمين بلغاتهم الأصلية.

واجه المساهمون ثنائيو اللغة تحديات كبيرة في ترجمة مقالات ويكيبيديا قبل ظهور أداة ترجمة المحتوى. حيث كان عليهم نسخ المحتوى إلى مستند منفصل، وترجمته مع مراعاة السياق، ثم تنسيقه وإضافة الاستشهاد باستخدام نص ويكي، وكان لزاماً عليهم الالتزام بسياسات التحرير. كانت هذه العملية المعقدة تُثبط المتطوعين وتحدّ من مشاركتهم، خاصة في اللغات الأقل تمثيلًا، حيث تكون المعرفة الرقمية محدودة في الغالب. كما كانت كتابة المقالات من الصفر بتلك اللغات تستغرق وقتًا طويلًا.
تقديم أداة ترجمة المحتوى
عام 2015، أطلقت مؤسسة ويكيميديا أداة ترجمة المحتوى التي أحدثت تحولاً جذرياً من خلال أتمتة عملية الترجمة الشاقة، وبالتالي أسهمت في تسهيل تدفق ثروة ويكيبيديا المعرفية عبر اللغات المختلفة، مع الحفاظ على آلية مراجعة بشرية تضمن سلامة السياق – وهي السمة التي تميز ويكيبيديا كما أكد متحدثون كاتالانيون خلال مناقشة مائدة مستديرة. على مر السنين، شهدنا نمواً ملحوظاً في إنشاء المحتوى باللغات الأقل تمثيلاً، خصوصاً بعد أن طوّر فريق توطين اللغات والمنتجات في ويكيميديا (المعروف سابقاً بفريق اللغات) الأداة وحسّنها بشكلٍ متكرر، ما أسهم في تحقيق العدالة المعرفية. من المهم الإشارة إلى أن الفجوة المعرفية في ويكيبيديا لا تقتصر على عدد المقالات فحسب، بل تشمل أيضاً تنوع المواضيع المشمولة. في البداية، تميزت نسخ ويكيبيديا في جنوب آسيا وغرب إفريقيا بتركيزها على المدخلات الجغرافية والسير الذاتية، بينما ظلت المواضيع الحيوية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، والثقافة، والتاريخ تعاني نقصاً كبيراً. تساعد هذه الأداة في سد هذه الفجوات المواضيعية تدريجياً في تلك المناطق الفرعية.
انتشار المعرفة عبر القارات
من خلال المبادرات التعاونية مع مجتمعات المتطوعين في ويكيبيديا والحملات المناصرة والداعمة للعدالة المعرفية، حقّق المساهمون تقدماً ملحوظاً باستخدام هذه الأداة في إثراء المحتوى وزيادة عدد المقالات وتنوعها عبر نسخ ويكيبيديا المختلفة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك:
- ساهمت الأداة في إنشاء 80% من المحتوى الحالي في ويكيبيديا بلغتي إيغبو وهوسا، حيث أتاحت مواضيع حيوية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، والثقافة، والتاريخ، والمجتمع، والتي كانت غائبة تماماً عن هذه اللغات سابقاً. وفي شهادة مؤثرة، ذكر المحرر التطوعي Aliyu من نيجيريا في مقالةٍ إنه قبل ظهور الأداة، كان يصعب عليه تخيل عملية الترجمة اليدوية للمقالات الصحية من الإنجليزية إلى ويكيبيديا الهوسا، حيث كانت العملية شاقة ومعقدة.


شهدت نسخ ويكيبيديا باللغات الهندية (مثل التيلوجو، والتاميلية، والنيبالية، والبنغالية، والكانادا، والماراثية، والأردية، والأوديا، والآسامية، والكشميرية) نمواً مستمراً في عدد المقالات المترجمة من سنةٍ لأخرى. وقد شهدت ويكيبيديا هذه اللغات، التي تُستخدم على نطاق واسع في جنوب آسيا، زيادةً ملحوظةً في عدد المقالات المترجمة حيث ارتفع العدد من 11,000 مقالة في مواضيع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إلى أكثر من 59,641 مقالة خلال ثلاث سنوات

- خلال جائحة كوفيد-19، ساعدت الأداة فريق عمل الترجمة على إتاحة مقالات عن كوفيد-19 ضمن مبادرة مشروع ويكي كوفيد-19 بأكثر من 130 لغة في وقتٍ قصيرٍ. وقد ساعد ذلك في الحد من مخاطر انتشار المعلومات المضللة حول الوباء، وتوفير معلومات موثوقة للعالم أثناء فترات الإغلاق وبعدها.
والجدير بالذكر أن المقالات المنشأة باستخدام الأداة أقل عرضة للحذف مقارنةً بالمقالات المنشأة من الصفر. ما يشير إلى أن المخرجات الأداة التي تخضع لمراجعة بشرية دقيقة هي محتوى عالي الجودة في العديد من نسخ ويكيبيديا اللغوية
تحسينات مستمرة على مدار عقد
مثل البستاني الذي يعتني بالشتلات، ظل فريق توطين اللغات والمنتجات في ويكيميديا يعتني بأداة ترجمة المحتوى على مدار العقد الماضي. وكما يقول المثل الصيني: “رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة”. كان إطلاق النسخة الأولية البسيطة الخطوة الأولى – زرع البذور في حديقة ويكيبيديا الشاسعة. ومع كل عمتحسين، تطورت الأداة لتُحقق تقدمًا ملحوظًا:
- تكامل الترجمة الآلية من جوجل (2016) الذي سرّع عملية الترجمة في المزيد من لغات ويكيبيديا من خلال دمج المسودات الأولية التلقائية من ترجمة جوجل. يمكنك قراءة المزيد عن تأثير هذا من نتائج البحث.
- تحسين التعامل مع القوالب والاستشهادات (2018) التي تعمل على تحويل القوالب المعقدة في المقالات العلمية بسهولة أثناء الترجمة، مع الحفاظ على المراجع وسلامة المحتوى.
- تجربة الترجمة التعاونية باستخدام الأجهزة الجوالة (2021) التي أتاحت للعديد من المحررين العمل على أقسام مختلفة من المقالة نفسها في آنٍ واحد، ما أدى إلى تحسين التعاون.
بحلول 2021، تطوّرت الأداة لمواجهة التحديات الاجتماعية والتقنية معًا، فأصبحت أداة قوية تتيح لمستخدمي أجهزة الكمبيوتر المكتبية والهواتف المحمولة ترجمة المقالات قسمًا بقسم بشكل تعاوني مع كشف الاستخدام الخاطئ للترجمة الآلية.
واستمرت التطورات التقنية الإضافية في توسيع نطاق الأداة:
- نظام مينت للترجمة الآلية (MinT): وسّع نطاق دعم الترجمة ليغطي أكثر من 40,000 زوج لغوي. وقد أدى ذلك إلى تعزيز إنتاجية المترجمين في 55 لغة من لغات ويكيبيديا التي حصلت على دعم الترجمة من مينت MinT للترجمة الآلية لأول مرة. يمكن الاطلاع على المزيد من التفاصيل في هذه المقالة.
- ميزة الاقتراحات المخصصة للترجمة: وهي أحدث تحسين من الفريق. حسّن هذا العمل من دعم إنشاء قوائم المقالات المقترحة في أداة ترجمة المحتوى، ما يمكّن المستخدمين من تخصيص المقالات الموصى بإنشائها واستلام القوائم المقترحة بها بناءً على 41 مرشحًا موضوعيًا. وهذا يعني أن بإمكانهم اكتشاف وترجمة المقالات في مجالات اهتماماتهم وخبراتهم، بالإضافة إلى اكتشاف القوائم المُعدة من المجتمع والتي تُعرف بـــ بالتجميعات، والمستوحاة من مبادرات حملات تطوير المحتوى. حاليًا، تحتوي هذه الميزة على حوالي 50 تجميعاً والعدد في ازدياد، مع وجود المزيد من التحسينات في طور الإعداد.
- سهّلت لوحة التحكم الموحدة الوصول إلى نفس الإمكانيات على الأجهزة المكتبية والمحمولة. ومن خلال ذلك، يمكن لمستخدمي الأجهزة المكتبية ترجمة المقالات قسمًا تلو الآخر، كما تمكنوا من استخدام مرشحات مخصصة للحصول على مقترحات للترجمة تتماشى مع مجالات اهتمامهم.

دورك في تحقيق العدالة المعرفية
يعكس تطور هذه الأداة التزامًا بالتحسين المستمر، وتوسيع نطاق الوصول إلى معلومات عالية الجودة خضعت لمراجعة بشرية في مجالات متنوعة مثل العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM)، والثقافة، والتاريخ. تخلق كل مقالة مترجمة روابط جديدة وتشجع المزيد من الأشخاص على المشاركة في هذا الجهد العالمي. هكذا يمكنك المشاركة:
للمحررين متعددي اللغات: استخدم أداة ترجمة المحتوى لترجمة مقالة إلى لغات تعرفها. إذ أن مقالة واحدة قد تساعد شخصًا ما في العثور على معلومات بلغته الأم.
لمنظمي فعاليات تطوير المحتوي: استضف فعاليات ترجمة تركّز على الموضوعات المهمة للغات المهمشة، واستخدم وسوم علامة تجميعات الصفحات لجذب المزيد من المترجمين لترجمة قوائم مقالاتك.
تُظهر أداة ترجمة المحتوى التزام ويكيبيديا بإتاحة المعرفة للجميع. معًا، يمكننا المساعدة من خلال مشاركة المعرفة وإنارة الطرق للآخرين لتوسيع نطاق الفضول والفهم للجميع.

Can you help us translate this article?
In order for this article to reach as many people as possible we would like your help. Can you translate this article to get the message out?
Start translation